بات للعراق رئيسُ وزراء جديد ، فما العمل الآن؟

بات للعراق رئيسُ وزراء مكلّف ، بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من فشل المرشّح السابق محمد توفيق علاوي في تأميت المال والشخص الجديد المكلف, ويدعى عدنان الزرفي, شخصية مخضرمة في المعارضة العراقية وعضو قديم في الطبقة الحاكمة عمل عن كثب مع سلطة الائتلاف المؤقتة في خلال الاحتلال الأمريكي للعراق.

والزرفي شخصية حازمة, وله تاريخ متقلب وعنيف مع الكثير من الأشخاص والمجموعات الذين تشتبك معهم الولايات المتحدة حاليا, من بينهم مقتدى الصدر (الذي هدد بطرد الولايات المتحدة من العراق) وبعض أعضاء القيادة الموالية لإيران في قوات الحشد الشعبي, التي هاجمت ميليشياتها القواعد الأمريكية في الأسابيع القليلة الماضية. وسبق أن هزأت هذه المجموعات من ترشيحه وستحاول إفشال جهوده لتشكيل حكومة.

المشهد السياسي

التحدّي الذي يواجهه الزرفي مزدوج.

أولا, وصل العراق إلى شفير الهاوية بسبب الاحتجاجات التي تطالب بالإصلاح منذ أكتوبر والتي أدت إلى مقتل المئات وجرح الآلاف مع رد القوى الأمنية المؤيدة للدولة والميليشيات الموالية لإيران بعنف. وكان أثر هذه الاحتجاجات كارثياً ، إذ أغرق العراق في أسوأ أزماتها منذ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموعي

ثانياً ، لزيادة الأزمة سوءاً ، يواجه العراق تراجعاً سريعاً في أسعار النفط ووباء فيروس كورونا. بيد أن المحتجين ما زالوا عازمين على إزاحة الطبقة السياسية بالقوة من الحكم وانتقدوا المجموعات المؤيدة لإيران التي باتت الآن مصرة أكثر من ذي قبل على السيطرة على المشهد السياسي وتعزيز سيطرتها على الدولة العراقية, ولا سيما بعد أن اغتالت الولايات المتحدة القائد الإيراني قاسم سليماني في يناير.

وحظوظ المحتجّين غير مشجّعة. فالنظام السياسي والنهج السياسي المسيطر الذي برز منذ العام 2003 منيعان أمام التغييرات الشاملة الطويلة الأمد. فبين النخبة الحاكمة تفاهم متين غير مكتوب يلزمها بالمحافظة على توازن قوى في العراق يلبي مصالح الكتل المتنافسة, بالاستناد إلى المبدأ القائل إن ما من جهة فاعلة واحدة يمكنها الاستئثار بالسلطة ولا ينبغي عليها ذلك. ويستند أيضاً إلى المبدأ القائل إنّ إمساك هذه الجهات بزمام السلطة وقدرةَ وصولها إلى الموارد واستمرارها بانار

وكان هذا الأمر الأساس في هيكليات القوى في العراق منذ العام 2003, وقد تعزز في كل انتخابات أجريت منذ العام 2005. فلم يتمكن أي حزب واحد أو كتلة واحدة من كسب تعددية, مما يلزم تشكيل تحالفات تؤمن المصالح المكتسبة للكتل المنافسة. بعبارة أخرى ، حتّى لو تمكّن الزرفي من تشكيل حكومة تقبل بها الحركة الاحتجاجية ، أي حكومة مستقلّين مثلاًساِ

في المقابل ، يمكن أن تواجه حكومة تسترضي الطبقة الحاكمة تحدّياً من المحتجّين ، وربّما ستُعيد إحياء الحركة بع نتيجة لذلك قد يعلق العراق في حالة جمود لأشهر وربّما سنوات. في هذه الحالة ، قد تتابع حكومة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبد المهدي عملها بصفتها الراهنة إلى أن يصبح من الواقاات

دورٌ لواشنطن

نظريا, ينبغي على الولايات المتحدة دعم الحركة الاحتجاجية والضغط لإجراء إصلاح شامل للدولة العراقية يفضي إلى حوكمة أفضل وسيادة أقوى والمزيد من الوظائف للشعب العراقي. لكن في الواقع ، هذا أمر بعيد البعد كلّه عن الواقعية في المستقبل المنظور.

ولا تُعزى المشكلة إلى فرد أو حزب واحد. فبشكل من الأشكال ، لا يهمّ إذا أصبح الزرفي رئيس وزراء ، بسبب الديناميات المتعدّدة الطبقات للسلطة والحكومة الميراتاتا فللعراق سلطاتٌ رسمية مثل الحكومة والبرلمان والقضاء. لكن هذه السلطات تتنافس غالبا مع سلطات غير رسمية على غرار الميليشيات والعشائر والشخصيات الدينية (الذين يتحكم بعضهم بالهيكليات الرسمية لاتخاذ القرارات أو يسيطر عليها) الذين يتحلون بنفوذ هائل على السياسات والاقتصاد في العراق.

وقد برزت بعض الفرص للولايات المتحدة للتدخل بسرعة في العراك وتطبيق إجراءات يمكنها أن تغير البيئة السياسية بشكل حاسم ليصبح مؤاتيا أكثر لضمان مؤسسات عراقية ذات سيادة وقابلة للاستمرار. مثلاً ، ضعضع اغتيال قاسم سليماني في يناير هيبةَ المناعة التي تحلّت بها الميليشيات الموالية لإيران وأطسق وفتح هذا الباب نافذة فرصة مؤقتة, لو أتبعتها واشنطن باستراتيجية سياسية شاملة تركز على العمل مع حلفائها وحمايتهم من الميليشيات الموالية لإيران في خضم البيئة السياسية المتقلبة الناتجة عن ذلك. لكن بغياب الدعم الأمريكي ، كانت قلّة قليلة مستعدّة للتحرّك ضدّ إيرانَ متضعضعةٍ لكن غير متقهقرة عازمة عفف الماتاتا

وكانت مقاربة كهذه لتضمن المصالح الأمريكية الحيوية على المدى القريب (المحافظة على حضور الجنود الأمريكيين في العراقيين أو حشد حلفاء الولايات المتحدة ودعمهم لتعزيز الصد في وجه النفوذ الإيراني). ولكان هذا الأمر فعالا جدا لو اقترن بخطوط حمراء تهدد باللجوء إلى المزيد من الأعمال العسكرية ضد الجهات الوكيلة لإيران لضمان الأهداف السياسية الطويلة الأمد (إصلاح المؤسسات العراقية, فضلا عن حشد الاستثمارات والموارد الدولية وإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب).

قد يُنهي تعيين الزرفي الشلل السياسي في البلاد (مع افتراض أنّه سيضمن دعم الكتل البرلمانية الأقوى). وفي حال تحقّق ذلك ، سيمهّد الطريق أمام عملية سياسية محفوفة بالمعوّقات والمسائل الهيكلية التي تكبح قدرة الدالات سلات ولكي تكون واشنطن شريكا بناء في العراق ينبغي عليها تحديد الخطوات التي ترغب في رؤيتها وإدراك وقائع الحوكمة والسلطة في العراق (وهي واضحة تمام الوضوح لصانعي القرارات في واشنطن).

الولايات المتحدة ملتزمة بتقويض الجهات الوكيلة لإيران كجزء من حملة الضغط الأقصى التي تطلقها ضدّ إيران. لكنّ فكرة نزع الجهات العراقية الوكيلة لإيران من الحكم في بغداد بعيدة الاحتمال. فهذه المجموعات مترسخة جدا في هيكليات صنع القرار المحلية وغنية جدا بالموارد وقوية جدا بعدما استغلت قصر النظر الأمريكي في العراق منذ انسحاب قواتها في العام 2011. وفيما كان للعقوبات الأمريكية تداعيات اقتصادية على إيران والجهات الوكيلة لها, ليس للولايات المتحدة استراتيجية عملية تهدف إلى تقليص سيطرة هذه المجموعات على مقاليد السلطة ، فضلاً عن دعم المجموعات التي لطالما عملت على مواجهة النفوذ الإيراني بالتنسيق مع الولاياتا.

التركيز على تحقيق الهدف (المشترك)

العراق غارق في أزمات مترابطة: حركة احتجاجية أدت إلى اشتباكات ويمكنها أن تطلق تمردا عنيفا أو مجزرة تامة للمدنيين وتوترات بين إيران والولايات المتحدة قد تؤدي إلى حرب على الأرض العراقية وأزمة سياسية يمكنها أن تمهد الطريق أمام صراع بين الفصائل المتنافسة.

ينبغي على العراقيين إنجاز القسم الأكبر من العمل, لكن على الولايات المتحدة أيضا أن تعيد تقييم موقفها والإيفاء بالتزامها بهزم تنظيم الدولة الإسلامية عبر المساعدة على وضع رؤية لمستقبل العراق ترتكز على الوقائع على الأرض. وبشكل مثالي, قد تضع الولايات المتحدة مع أهم حلفائها العراقيين استراتيجية سياسية لرد شامل على مجموعة التحديات التي يواجهها العراق, وهي استراتيجية تضمن المصالح الاستراتيجية الحيوية في الوقت عينه. وفي الوقت الراهن المساهمات الأبرز للولايات المتحدة هي جيشها ودعمها الفنّي ، الذي حال دون بروز تنظيم الدولة الإسلاه لكن على الرغم من أهمية هذه النقاط, تواجه الولايات المتحدة خطر اعتبارها معرقلة في نظر شعب تواق للمساعدة الخارجية, وهي مساعدة تؤازر العرقيين على تحقيق حوكمة أفضل وتأمين اقتصاد منتعش وسياسة خارجية متوازنة.

Vous pourriez également aimer...