خيارات تركيا غير المستساغة في سوريا

تشهد محافظة إدلب في شمال غرب سوريا أزمة إنسانية متفاقمة. فمع ضغط النظام السوري المدعوم من روسيا لاستعادة الجيب المهمّ الأخير للمعارضة السورية ، ففرّ مئات الآلاف نحو الحدود التركي وتبعاً للأمم المتحدة ، فرّ 700 ألف شخص من إدلب منذ بداية ديسمبر.

وقد حاولت أنقرة بشدّة ، بصفتها الداعم الأول للمعارضة في سوريا ، أن تقنع موسكو بوقف هجوم النظام السوري بلالاك وما زاد الطين بلّة أنّ النظام السوري قتل 13 جندياً تركياً في هجومَين شنّهما بدعم روسي في الأسبوع المنصرم.

وتتناقض هذه التطوّرات مع الصورة الناشئة عن العلاقات التركية الروسية في السنوات القليلة الماضية التي كانت تشهد تحسّناًاتا وبالفعل ، دفعت هذه العلاقة بالكثيرين في الغرب إلى الاعتقاد أنّ تركيا تبتعد عن الغرب وتقترب من رووييا. ورسّخ شراء تركيا نظام أس -400 الصاروخي الروسي المتطوّر هذه الرؤية أكثر فأكثر ، مسبّباً الخيبة لحلفاء تركياففيييللس وأتت عملية الشراء نتيجة عملية تعاونية نشأت في سياق الفشل السوري. وفي الوقت الذي أفضت الخلافات بين الولايات المتحدة وتركيا حول قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد, ولا سيما في شمال شرق سوريا, إلى ابتعادهما الواحدة عن الأخرى, تقاربت تركيا وروسيا جراء الإذعان الروسي للعمليات العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال غرب سوريا.

بالتالي ، كانت سوريا المادة اللاصقة في العلاقات بين موسكو وأنقرة ، وبالتحديد ، السوريين الأكراد. علاوة على ذلك, بات التعاون بين البلدين بشأن سوريا منظما أكثر من خلال إجراءات أستانا وسوتشي منذ نهاية العام 2016. فلم تعمل هذه الإجراءات المتمحورة حول سوريا على الوصول إلى تسوية للأزمة السورية فحسب, بل غيرت معالم العلاقات التركية الروسية.

مع ذلك ، بقي الموقفان الروسي والتركي بشأن المسألة السورية الأوسع ، بما في ذلك رؤيتاهما للمرحلة النهائية للاتاتاتا ففيما ركزت روسيا وشريكها في دمشق منذ زمن على الفوز بالحرب الأهلية في الأماكن الأخرى من سوريا, سلط الهجوم الأخير على إدلب النور على الاختلافات التركية الروسية وبين حدود التعاون بين البلدين.

بعيداً عن سوريا ، تبقى التطلّعات الاستراتيجية لتركيا وروسيا ، على التوالي ، تنافسية في كلّ محيطههما المجابر وتتّصف العلاقة بانعدام الثقة وليس بالتقارب الجيوسياسي. بناء على ذلك ، واجهت العلاقات التعاونية حدوداً مُضمّنة فيها منذ البداية. وربما كان الانسجام السياسي والواقعية والاستياء المتشاطر من الغرب سببا كافيا لإطلاق هذا التعاون, لكن ليس كافيا إلى حد الجمع بين تركيا وروسيا على الصعيد الجيوسياسي.

الوضع يتدهور بالنسبة إلى تركيا

تجري الأزمة في إدلب في وقت تواجه فيه الحكومة التركية أصلاً ردودَ فعل داخلية على وجود 3,5 مليون لاجئ سورياف. بناء على ذلك ، سوف تقاوم موجات اللاجئين الجديدة ، وتقوم بكلّ ما في وسعها لإبقاء الهاربين من إدلب في الجهة السور لكن نظرا إلى الأزمة الإنسانية الناشئة والطقس الشتوي القارس, ستأتي مقاومة تركيا الشديدة لقبول وافدين جدد لقاء تكاليف أخلاقية وسياسية, فتسيء أكثر فأكثر إلى صورة أنقرة الدولية المتدهورة.

بالإضافة إلى ذلك ، يزيد التأزّم في علاقات أنقرة والغرب من نقاط ضعف تركيا. فقد أبعدت علاقاتها السريعة التحسّن مع روسيا في السنوات الماضية حلفاءَها الغربيّين ، ولا سيّما الولايات المتّحدة. وفي ما يخصّ إدلب ، ترغب تركيا في الحصول على دعم غربي أقوى ،، ويقدم المسؤولون الأمريكيون دعما شفهيا لتركيا, وقالت المستشارة الألمانية في زيارة لها إلى تركيا في أواخر يناير إن ألمانيا وأوروبا ستقدمان المزيد من الدعم المالي لتركيا للتعامل مع أزمة اللاجئين المتنامية. لكن عند هذه المرحلة ، لعلّ هذا هو المستوى الأقصى من الدعم الذي يمكن أن تتوقّعه تركيا من الغرب.

من المرجّح أيضاً أنّ الولايات المتحدة ترى في المأزق التركي في سوريا فرصة لها. فعلى الأرجح أن تحث الولايات المتحدة تركيا على القبول إما بشكل من أشكال التدبير المؤقت مع قوات سوريا الديمقراطية التي يديرها الأكراد بالإجمال والتي شنت تركيا عليها توغلا عسكريا في شمال شرق سوريا منذ بضعة أشهر أم ببعض التنازلات حيال نظام أس -400 الصاروخي الذي ابتاعته تركيا من روسيا . بيد أنه نظرا إلى الصورة السياسية الداخلية الراهنة في تركيا, لا يمكن توقع حصول تقدم يذكر من الناحيتين كلتيهما, إلا إذا دخلت العلاقات بين موسكو وأنقرة مرحلة أكثر نزاعية. فحتّى الآن ، ما زالت تركيا تحاول حلّ توتّراتها مع روسيا بطريقة دبلوماسية.

في غضون ذلك ، يستمر موقف تركيا في إدلب بالتدهور. فقد سيطرت قوات النظام السوري على بلدة معرة النعمان الاستراتيجية التي تقع على الطريق السريع م -5 الذي يربط دمشق بحلب ودخلت إلى مدينة سراقب التي يسيطر عليها المتمردون, فاستعادت السيطرة على الطريقين السريعين المهمين م -4 وم -5. ومع تقدّم النظام عبر الأراضي ، بات عددٌ من مواقع المراقبة العسكرية التركية (سبعة مراكز ، ابتداء من الثلاثاءا)

تركيا مُدركةٌ لخياراتها الصعبة ، لذا توجّهت نحو موسكو للتوصّل إلى وقف إطلاق نار. لكن على الرغم من جهود تركيا المتكررة لتفادي الهجوم العسكري على إدلب, دعمت روسيا النظام السوري في هجومها في تلك المنطقة, لا بل تقول إن تركيا لم تف بالالتزام التي تعهدت به في سبتمبر 2018 (بحسب اتفاق ثنائي كان يفترض بتركيا بموجبه أن تضغط على المجموعات المعارضة المعتدلة في إدلب لتنفصل عن المجموعات المتشدّدة مثل هيئة تحرير الشام). بالتالي ، تدعم موسكو هجوم النظام دعماً كاملاً.

وكما بين مقتل الجنود الأتراك منذ فترة قصيرة, بإمكان الوضع في إدلب أن يخرج عن السيطرة بسرعة, فما هو أساسا حرب بالوكالة يمكنه أن يصبح مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا والنظام السوري. في الواقع ، هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقيام بضربة عسكرية في أيّ مكان ، بما في ذلك اللجوء إلست ضرا

في هذه المرحلة ، يكمن الأمل الأفضل لتركيا في تجميد الأزمة إلى حين بدء عملية سياسية في سوريا ، فتأمل تركيا لكن لسوء حظّ أنقرة ، تجاهلت موسكو حتّى الآن المطالب التركية المماثلة لهذا الأمر.

الخيارات المتاحة أمام تركيا

مع أخذ هذه الأمور كلها كسياق ، ندرج في ما يلي بعض السيناريوهات التي يمكن التفكير فيها:

التصعيد. في وسع تركيا أن تعمل على زيادة التكاليف على روسيا والنظام السوري. وفي بعض النواحي ، هذا ما تقوم به تركيا عبر إرسال أسلحة ثقيلة ، بما فيها دبّابات وعربات مدرّعة ومدافته لكن تهديدات أردوغان والتعزيزات العسكرية, التي تعتبر محاولة أنقرة لتأمين الردع, لم تفض إلى نتائج ملموسة لتركيا, لأن دمشق تعتقد أنها تحظى بالزخم العسكري وتتابع هجومها. وبإمكان تركيا أن تختار أن تصبح أكثر تعطيلاً في علاقاتها مع روسيا ، بعيداً عن مسألة إدلب.

المفاوضة. بإمكان تركيا أن تحاول الوصول إلى ترتيب جديد مع روسيا بشأن إدلب أو إلى اتفاقية أستانا محدّثة. وهذا هو المسار الأكثر ترجيحاً لسوريا ، لأنه سينقذ أيضاً العلاقات الروسية التركية. وسيعني ذلك على الأرجح أن تبرم أنقرة وموسكو اتفاقا حيال منطقة عازلة تحت سيطرة تركية على الجهة السورية من الحدود السورية التركية (بالتنسيق مع الروس ربما) للهاربين من الأزمة الإنسانية. وسبق أن دعا وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى إنشاء « منطقة آمنة » للهاربين من إدلب. في هذه الحالة ، ستتوجّه تركيا على الأرجح إلى الأوروبيين لتمويل كلفة هذه المنطقة ، جزئياً على الأققل. وبإمكان ذلك ، لفترة معيّنة على الأقل ، أن يعالج المخاوف من بروز موجة جديدة ممكنة من اللاجئين. بيد أنه يبرز خطر بأن تتحول هذه المنطقة العازلة إلى « منطقة حرام » في المستقبل: فما دامت دمشق مهتمة أكثر بالسيطرة على المواقع الاستراتيجية في إدلب (عوضا عن سكانها, الذين تعتبرهم أعداء أصلا), سيكون من دواعي سرورها أن يصبح الناس هناك مشكلة ملقاة على كاهل تركيا. بتعبير آخر, سيعطي اتفاق كهذا دمشق معظم المواقع الاستراتيجية التي ترغب فيها ويسلم المنطقة العازلة المتوقعة للاجئين الهاربين من إدلب (لإرضاء تركيا) ويمنح روسيا انتصارا دبلوماسيا.

طلب المساعدة من الغرب. في حال قرّرت تركيا أن تؤدّي دوراً أكثر تعطيلاً مع روسيا ، بإمكانها طلب المساعدة مو الالايات المتحدة ،اهات م ا ح حإ في الواقع ، نشر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عدّة تغريدات على تويتر أبدى فيها دعماً كبيراً لموقف حولات وقال أيضاً إنّه أرسل المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري لتنسيق الخطوات مع تركيا للردّ على الهجمية الرويي التريي. لكن لم يُعرف بعد كيف ستُترجم هذه البيانات بخطوات على الأرض. وفي وسع الولايات المتحدة ضرب بعض الأهداف التابعة للنظام شرق الفرات حيث يُعتبر وضع روسيا ضعيفاً نسبياً أونفيً وفي وسعها أيضاً تقديم المزيد من الدعم العسكري للمعارضة السورية أو التنسيق لفرض عقوبات إضافية على النظام السوري. بشكل أساسي ، في وسع الولايات المتحدة وتركيا اتّخاذ خطوات لزيادة تكلفة الأعمال العسكرية في إدلب على روسراوور بيد أنّ طلب تركيا المساعدة من الولايات المتحدة يفرض بدوره بعض القرارات الصعبة على سياستها بشأن السوريين الأكرادار ومن غير المرجّح أن تُساوم على أيّ من هاتَين المسألتين. لذا على الأرجح ألا يكون الدعم الأمريكي في هذا الموضوع سوى دعم كلامي في الوقت الراهن.

ستتخطّى على الأرجح العلاقات التركية الروسية هذه الجولة الأخيرة من التوتّرات حول إدلب. فلكلتا الجهتَين الكثير لتخسراه من قطع علاقتهما الواحدة بالأخرى ، بما

بيد أنّ هذه المشادّة الأخيرة ستؤثّر في علاقاتهما وستكشف عن مآزق حقيقية في السياسة الخارجية التركية. فعلى المدى القريب ، تركيا بحاجة إلى إنشاء منطقة آمنة للهاربين من الأزمة الإنسانية المتفاقمة في إدللب. وفي الوقت عينه ، ينبغي على أنقرة إعادة تقييم مقاربتها المتشدّدة الصفرية النتيجة تجاه السوريين الأكراد. فهذا التناقض أمر على أنقرة معالجته.

في الوقت عينه ، ينبغي على أنقرة معالجة انعدام التوازن في علاقاتها مع روسيا والغرب عبر إعادة تمتين صلاتها الغرب فإن لم يتمّ ذلك ، كما هو الوضع في السنوات الماضية الأخيرة ، من شأن تأرجُح تركيا المستمرّ بين روسيا والغسي

Vous pourriez également aimer...